الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وشرح تعالى حالهما وفصل ما فيهما من وجوه الدلالة على الخالق، ومن وجوه النعم العظيمة على الخلق، كان ذلك تفصيلًا نافعًا وتبيانًا كاملًا فلا جرم، قال تعالى: {وكل شيء} أي: لكم إليه حاجة في مصالح دينكم ودنياكم {فصلناه تفصيلًا} أي: بيناه تبيينًا، وهو كقوله تعالى: {ما فرّطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام] وكقوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء} [النحل] وقوله: {تدمّر كل شيء بأمر ربها} [الأحقاف].وإنما ذكر تعالى تفصيلًا لأجل توكيد الكلام وتقريره، فكأنه قال: فصلناه حقًا. ولما بين تعالى أنه أوصل إلى الخلق أصناف الأشياء النافعة لهم في الدنيا والدين مثل آيتي الليل والنهار وغيرهما كان منعمًا عليهم بوجود النعم وذلك يقتضي وجوب اشتغالهم بخدمته وطاعته فلا جرم كل من ورد عرصة القيامة فإنه يكون مسؤولًا عن أعماله وأقواله كما قال تعالى: {وكل إنسان ألزمناه} أي: بعظمتنا {طائره} أي: عمله الذي قدرناه عليه من خير وشرّ، لأن العرب كانوا إذا أرادوا الإقدام على عمل من الأعمال وأرادوا أن يعرفوا أن ذلك العمل يسوقهم إلى خير أو إلى عمل شرّ اعتبروا أحوال الطير وهو أنه يطير بنفسه أو يحتاج إلى إزعاجه وإذا طار فهو يطير متيامنًا أو متياسرًا أو صاعدًا إلى الجو إلى غير ذلك من الأحوال التي كانوا يعتبرونها ويستدلون بكل واحد منها على أحوال الخير والشر والسعادة والنحوسة فلما كثر ذلك منهم سموا نفس الخير والشر بالطائر تسمية للشيء باسم لازمه فقوله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء] أي: وكل إنسان ألزمناه عمله {في عنقه} الذي هو محل التزين بالقلادة ونحوها ومحل الشين بالغل ونحوه فإن كان عمله خيرًا كان كالقلادة والحلي في العنق وهذا مما يزينه وإن كان عمله شرًّا كان كالغل في عنقه وهو مما يشينه وقال مجاهد ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد، قال الرازي: والتحقيق في هذا الباب أنه تعالى خلق الخلق وخص كل واحد منهم بمقدار مخصوص من العقل والفهم والعلم والعمر والرزق والسعادة والشقاوة والإنسان لا يمكنه أن يتجاوز ذلك المقدار وإن كان ينحرف عنه بل لابد وأن يصل إليه ذلك القدر بحسب الكمية والكيفية فتلك الأشياء المقدرة كأنها تطير إليه وتصير إليه فلهذا المعنى لا يبعد أن يعبر عن تلك الأحوال المقدّرة بلفظ الطائر فقوله تعالى: {ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء] كناية عن كل ما قدّره الله ومعنى في عنقه حصوله له فهو لازم له واصل إليه غير منحرف عنه وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: «جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة» انتهى ملخصًا. ثم قال تعالى: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا} أي: مكتوبًا فيه عمله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. قال الحسن: بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان فهما عن يمينك وعن شمالك، فأمّا الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك، وأمّا الذي عن شمالك فيحفظ لك سيئاتك، حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت معك في قبرك حتى تخرج لك يوم القيامة، وقوله تعالى: {يلقاه منشورًا} صفتان لكتابًا وقرأ ابن عامر بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف على البناء للمفعول من لقيته كذا أي: استقلبته به والباقون بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف، وأمال الألف بعد القاف حمزة والكسائي محضة وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح ثم إنه إذا لقي كتابه يوم القيامة يوم العرض قيل له: {اقرأ كتابك} أي: بنفسك {كفى بنفسك اليوم} الذي تكشف فيه الستور وتظهر جميع الأمور {عليك حسيبًا} أي: حسابًا بليغًا فإنك تعطى القدرة على قراءته أميًا كنت أو قارئًا ولا ترى فيه زيادة ولا نقصانًا ولا تقدر أن تنكر منه حرفًا وإن أنكره لسانك شهدت عليك أركانك فيا لها من قدرة باهرة وقوّة قاهرة ونصفة ظاهرة. قال الحسن: عدل والله في حقك من جعلك حسيب نفسك. وقال السدي: يقول الكافر يومئذٍ إنك قضيت أنك لست بظلام للعبيد فاجعلني أحاسب نفسي فيقال له: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} فإن قيل: قد قال تعالى: {وكفى بنا حاسبين} فكيف الجمع في ذلك؟ أجيب: بأنّ المراد بالحسيب هنا الشهيد أي: كفى بشخصك اليوم شاهدًا عليك أو أنّ القيامة مواقف مختلفة ففي موقف يكل الله تعالى حسابهم إلى أنفسهم وعلمه محيط بهم وفي آخر يحاسبهم هو. وقوله تعالى: {من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه} لأنّ ثواب اهتدائه له لا ينجي غيره {ومن ضل فإنما يضل عليها} أي: إثمه عليها فلا يضرّ في ضلاله سواه، كما قال الكلبي دلالة على أنّ العبد متمكن من الخير والشرّ وإنه غير مجبور على عمل بعينه أصلًا لأنّ قوله تعالى: {من اهتدى} إلى آخره إنما يليق بالقادر على الفعل المتمكن منه كيف شاء وأراد، أمّا المجبور على أحد الطرفين الممنوع عن الطرف الثاني فهذا لا يليق به، هذا مذهب أهل السنة والجماعة فاتبعه ترشد ثم إنه تعالى أعاد تقرير أنّ كل أحد مختص بأثر عمل نفسه بقوله تعالى: {ولا تزر} أي: نفس {وازرة} أي: آثمة أي: لا تحمل {وزر} نفس {أخرى} بل إنما تحمل وزرها فقط. فإن قيل: ورد أنّ المظلوم يأخذ من حسنات الظالم فإذا لم يوف يؤخذ من سيئات المظلوم وتطرح على الظالم؟ أجيب: بأنّ ذلك بسببه فهو كفعله. فإن قيل: قد ورد أن الميت ببكاء أهله؟ أجيب: بأنّ ذلك محمول على ما إذا أوصى بذلك وكان ذلك الفعل كقول طرفة بن العبد:
وعليه حمل الجمهور الأخبار الواردة بتعذيب الميت على ذلك. فإن قيل: ذنب الميت فيما إذا أوصى أو أمر بذلك فلا يختلف عذابه بامتثالهم وعدمه؟ أجيب: بأنّ الذنب على السبب يعظم بوجود المسبب وشاهده «من سن سنة سيئة» إلخ وقال الشيخ أبو حامد: إنّ ما ذكر محمول على الكافر وغيره من أهل الذنوب. ثم قال تعالى: {وما كنا} أي: على ما لنا من القدرة {معذبين} أحدًا {حتى نبعث رسولًا} يبين له ما يجب عليه فمن بلغته دعوته فخالف أمره واستكبر عن اتباعه عذبناه بما يستحقه وهذا أمر قد تحقق بإرسال آدم عليه السلام ومن بعده من الأنبياء الكرام عليهم السلام في جميع الأمم قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمّة رسولًا} [النحل] وقال تعالى: {وإن من أمّة إلا خلا فيها نذير} [فاطر] فإنّ دعوتهم إلى الله تعالى قد انتشرت وعمت الأقطار واشتهرت. فإن قيل: الحجة لازمة لهم قبل بعثة الرسول لأنّ معهم أدلة العقل التي بها يعرف الله تعالى وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه، واستحقاقهم العذاب لإغفالهم النظر فيما معهم، وكفرهم لذلك لا لإغفال الشرائع التي لا سبيل إليها إلا بالتوقيف، والعمل بها لا يصح إلا بعد الإيمان؟ أجيب: بأنّ بعثة الرسول من جملة التنبيه على النظر والإيقاظ من رقدة الغفلة لئلا يقولوا: {إنا كنا عن هذا غافلين} [الأعراف]، فهلا بعثت إلينا رسولًا ينبهنا على النظر في أدلة العقل، وفي الآية دليل على أن لا وجوب قبل الشرع.فائدة:في حكم أهل الفترتين بين نوح وإدريس وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وهم ثلاثة عشر قسمًا؛ ستة سعداء وأربعة أشقياء وثلاثة تحت المشيئة، فأمّا السعداء فقسم وحّد الله تعالى بنور وجده في قلبه كقس بن ساعدة فإنه كان يقول إذا سئل هل لهذا العالم إله؟ قال: البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام يدل على المسير. وقسم وحد الله تعالى بما تجلى لقلبه من النور الذي لا يقدر على دفعه، وقسم ألقى في نفسه واطلع من كشفه على منزلة محمد صلى الله عليه وسلم فآمن من به في عالم الغيب، وقسم اتبع ملة حق ممن تقدمة، وقسم طالع في كتب الأنبياء فعرف شرف محمد صلى الله عليه وسلم فآمن به وقسم آمن بنبيه الذي أرسل إليه وأدرك رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وآمن به فله أجران. وأما الأشقياء فقسم عطل لا عن نظر بل عن تقليد، وقسم عطل بعدما أثبت لا عن استقصاء بنظر، وقسم أشرك عن تقليد محض، وقسم علم الحق وعانده، وأما الذي تحت المشيئة فقسم عطل فلم يقر بوجوده عن نظر قاصر لضعف في مزاجه، وقسم أشرك عن نظر أخطأ فيه، وقسم عطل بعدما أثبت لا عن نظر بلغ فيه أقصى القوّة هكذا قسم محيي الدين بن عربي في الباب العاشر من الفتوحات المكية نقل ذلك عن شيخ وقته الشيخ عبد الوهاب الشعراني، ونقل عن السيوطي أنّ أبوي النبيّ صلى الله عليه وسلم لم تبلغهما الدعوة والله تعالى يقول: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا} وحكم من لم تبلغه الدعوة أنه يموت ناجيًا ولا يعذب ويدخل الجنة. قال: وهذا مذهب لا خلاف فيه بين المحققين من أئمتنا الشافعية في الفقه والأشاعرة في الأصول، ونص على ذلك الإمام الشافعيّ رضي الله عنه، وتبعه على ذلك الأصحاب، قال السيوطي: وقد ورد في الحديث أن الله تعالى أحيا أبويه حتى آمنا به، وعلى ذلك جماعة من الحفاظ منهم الخطيب البغدادي وأبو القاسم بن عساكر وأبو حفص بن شاهين والسهيلي والقرطبي والطبري وابن المنير وابن سيد الناس وابن ناصر الدين الدمشقي والصفدي وغيرهم والأولى لنا الإمساك عن ذلك فإنّ الله تعالى لم يكلفنا بذلك ونكل الأمر في ذلك إلى الله تعالى، ونقول كما قال النووي لما سئل عن طائفة ابن عربي {تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون} [البقرة] ولما أشار تعالى إلى عذاب المخالفين قرّر أسبابه وعرف أنها بقدره وأن قدره لا يمنع حقوق العذاب بقوله تعالى: {وإذا أردنا} أن نحيي قرية الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة ألقينا في قلوب أهلها امتثال أو أمرنا والتقييد باتباع رسلنا وإذا أردنا {أن نهلك قرية} في الزمن المستقبل {أمرنا} أي: بما لنا من القدرة التامّة الشاملة {مترفيها} أي: منعميها الذين لهم الأمر والنهي قال الأكثرون: أمرهم الله تعالى بالطاعة والخير على لسان رسله {ففسقوا فيها} أي: خرجوا عن طاعة الله ورسوله. وقال صاحب الكشاف: ظاهر اللفظ يدل على أنه تعالى يأمرهم بالفسق فيفسقون إلا أنّ هذا مجاز، ومعناه أنه يفتح عليهم أبواب الخيرات والراحات فعند ذلك تمردوا وطغوا وبغوا. قال: والدليل على أنّ ظاهر اللفظ يقتضي ما ذكرناه أن المأمور به إنما حذف لأنّ قوله ففسقوا يدل عليه يقال أمرته فقام وأمرته فقرأ لا يفهم منه إلا أن المأمور به قيام وقراءة فكذا هنا لما قال: {أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} وجب أن يكون المعنى أمرناهم بالفسق ففسقوا لا يقال يشكل هذا بقولهم أمرته فعصاني وخالفني فإنّ هذا كلام لا يفهم منه أني أمرته بالمعصية والمخالفة لأنّا نقول: إنّ المعصية منافية للأمر ومناقضة له فيكون كونها مأمورًا بها مخالفًا فلهذه الضرورة تركنا هذا الظاهر انتهى.قال الرازي: ولقائل أن يقول كما أنّ قوله أمرته فعصاني يدل على أنّ المأمور به شيء غير المعصية من حيث إنّ المعصية منافية للأمر ومناقضة له فكذلك قوله أمرته ففسق يدل على أنّ المأمور به غير الفسق لأن الفسق عبارة عن الإتيان به فكونه فسقًا ينافي كونه مأمورًا به كما أنّ كونه معصية ينافي كونها مأمورًا بها فوجب أن يدل هذا اللفظ على أنّ المأمور به ليس بفسق وهذا الكلام في غاية الظهور ولم أدر لم أصرّ صاحب الكشاف على قوله مع ظهور فساده فثبت أنّ الحق ما ذكر الكل وهو أن المعنى أمرناهم بالأعمال الصالحة وهي الإيمان والطاعة والقوم خالفوا ذلك الأمر عنادًا وأقدموا على الفسق {فحق عليها القول} أي: الذي توعدناهم به على لسان رسولنا {فدمرناها تدميرًا} أي: أهلكناها بإهلاك أهلها وتخريب ديارهم، وخص المترفين بالذكر لأنّ غيرهم يتبعهم ولأنهم أسرع إلى الحماقة وأقدر على الفجور، وقيل معناه كثرنا وروى الطبراني وغيره حديثًا: «خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة» أي: كثيرة النتاج. والسكة بكسر السين وتشديد الكاف الطريقة المصطفة من النخل، والمأبورة الملقحة قال ذلك الجوهري. وروي أنّ رجلًا من المشركين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرى أمرك هذا حقيرًا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه سيأمر» أي: سيكثر وسيكبر.وعن أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعًا يقول: «لا إلى إلا الله ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين إصبعيه الإبهام والتي تليها. قالت زينب قلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث» أي: الشرّ. وويل يقال لمن وقع في مهلكة أو أشرف أن يقع فيها. وقوله تعالى: {وكم أهلكنا} أي: بما لنا من العظمة وبين مدلول كم بقوله تعالى: {من القرون} أي: المكذبين {من بعد نوح} كعاد وثمود من الأمم الماضية يخوّف به الكفار أي: كفار مكة قال عبد الله بن أبي أوفى: القرن عشرون ومائة سنة. وقيل: مائة سنة. روي عن محمد بن القاسم عن عبد الله بن بشر المازني أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسه وقال: «سيعيش هذا الغلام قرنًا». قال محمد بن القاسم: ما زلنا نعدّ له حتى تمت له مائة سنة، ثم مات. وقال الكلبي: القرن ثمانون سنة وقيل أربعون. ثم قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وكفى بربك} أي: المحسن إليك {بذنوب عباده خبيرًا بصيرًا} أي: عالمًا ببواطنها وظواهرها فكم من إنسان كنتم ترونه من أكابر الصالحين ثم استقرّت عاقبته على خلاف ذلك وكم من شخص ترونه مجتهدًا في العبادة فإذا خلا بارز ربه بالعظائم، وتقديم الخبر لتقديم متعلقه. ولما قرّر أنه سبحانه وتعالى عالم ببواطن عباده وظواهرهم قسمهم إلى قسمين: الأوّل: قوله تعالى: {من كان يريد العاجلة} أي: الدنيا مقصورًا عليها همه {عجلنا له فيها} أي: العاجلة بأن نفيض عليه من منافعها {ما نشاء} أي: من البسط والتقتير {لمن نريد} أي: أن نفعل به ذلك فقيد تعالى الأمر بقيدين أحدهما تقييد المعجل بإرادته ومشيئته. والثاني: تقييد المعجل له بإرادته وهكذا الحال ترى كثيرًا من هؤلاء يتمنون ما يتمنون ولا يعطون إلا بعضًا منه وكثير منهم يتمنون ذلك البعض وقد حرموه فاجتمع عليهم فقر الدنيا وفقر الآخرة. تنبيه: لمن نريد بدل بعض من كل من الضمير في له بإعادة العامل تقديره لمن نريد تعجيله له ويقال إنّ الآية في المنافقين كانوا يراؤون المسلمين ويقرؤون معهم ولم يكن غرضهم إلا مساهمتهم في الغنائم ونحوها وهذا هو المناسب لقوله تعالى: {ثم جعلنا له جهنم يصلاها} أي: في الآخرة {مذمومًا} أي: مفعولًا به الذم {مدحورًا} أي: مدفوعًا مطرودًا مبعدًا وإن ذكره البيضاوي بصيغة قيل. ثم ذكر تعالى القسم الثاني وشرط فيه ثلاثة شروط: الأوّل: قوله تعالى: {ومن أراد الآخرة} أي: أراد بعمله ثواب الآخرة فإنه إن لم ينو ذلك لم ينتفع بذلك العمل لقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم] وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات».الثاني: قوله تعالى: {وسعى لها سعيها} وذلك يقتضي أن يكون ذلك العمل من باب القرب والطاعات وكثير من الضلال يتقرّبون بعبادة الأوثان ولهم فيها تأويلات، أحدها أنهم يقولون إله العالم أجل وأعظم من أن يقدر الواحد منا على إظهار عبوديته وخدمته ولكن غاية قدرتنا أن نشتغل بعبادة بعض المقرّبين من عباد الله بأن يشتغل بعبادة كوكب أو ملك من الملائكة ثم إن الملك أو الكوكب يشتغل بعبادة الله تعالى فهؤلاء يتقرّبون إلى الله تعالى بهذا الطريق وهذه طريقة فاسدة فلا جرم أنه لم ينتفع بها. ثانيها أنهم قالوا اتخذنا هذه التماثيل على صورة الأنبياء والأولياء والمراد من عبادتها أن تصير تلك الأنبياء والأولياء شفعاء لنا عند الله وهذا الطريق أيضًا فاسد فلا جرم لم ينتفع بها. ثالثها: أنه نقل عن أهل الهند أنهم يتقرّبون إلى الله بقتل أنفسهم تارة أخرى أنفسهم أخرى وهذه الطريقة أيضًا فاسدة فلا جرم لم ينتفع بها. وكذا القول في جميع الفرق المبطلين الذين يتقرّبون إلى الله تعالى بمذاهبهم الباطلة.
|